د. محمد مدين: لماذا نقلل من جريمة إفقار المصريين؟
كتب: عبد الرحمن هاشم
أكد الدكتور محمد مدين أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة والقيم بجامعة القاهرة ورئيس قسم التفكير العلمي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، انقطاع الصلة بالتراث العلمي، وأن الهوة تتسع بين العرب وحل مشكلاتهم الحياتية بالمنهج العلمي.
وقال د. محمد مدين في حديثه لـ “بوابة شموس نيوز” إن التفكير الخرافي لا يزال يسيطر على الكثيرين ومنهم للأسف الشديد حملة دكتوراة ومثقفين. وأشار إلى كتاب ظهر في المركز القومي للترجمه اسمه “كيف تحل المشكلات اليومية بالمنهج العلمي؟”، وتحته العنوان الفرعي “فكر كأنك عالم”، وكيف أن أمنية الكاتب جون دووي الوحيدة أن يرتدي كل إنسان البالطو الأبيض أي ثياب العالم. فالعلم هو أساس كل حضارة ونهضة، والخرافة هي سبب كل تخلف وانتكاسة.
وأوضح د. مدين أن العلم العربي التجريبي هو أساس نهضة أوروبا وأن القطيعة المعرفية الحاصلة منذ زمن طويل بين العرب وتراثهم العلمي هي سر استغلالهم وتأخرهم عن ركب الأمم. وقال إن هذه القطيعة أمر يراد حتى ينفصل المسلمون عن حضارتهم والمطلوب الآن هو التخلص من التفكير الخرافي المسيطر علينا والأخذ بأسلوب التفكير العلمي وإحياء ماضينا العلمي.
إن حياة الناس اليوم، كما كان يقول لنا أستاذنا د. زكي نجيب محمود، “ليست كلها مركبات لفظية، صيغت شعراً أو نثراً، حتى يسهل علينا أن نطالب المعاصرين بأن يحركوا أقلامهم أو ألسنتهم بمثل ما تحركت عند القدماء ألسنة وأقلام؛ بل الحياة أبحاث عليمة تجري في المعامل، والحياة مكنات تدور تروسها وعجلاتها في المصانع، والحياة نظم في التعليم، ونظم في الإدارة، ونظم في إنتاج السلع وتوزيعها؛ والحياة طائرات وصواريخ، والحياة نقل للأعضاء من بدن إلى بدن، والحياة استزراع للصحراء ولأسطح المنازل وشرفاتها، بل هي استزراع للهواء وسطح الماء..
فكيف يجوز للوهم أن يتوهم بأن العربي الجديد لا يستطيع أن يكون مبدعاً لما هو أصيل، كما كان أسلافه يبدعون؟ وهنا، لا فرق بين أن يكون المجال مجال علم رياضي أو طبيعي، أو أن يكون مجال أدب أو فن، أو مجال لغة أو تشريع؛ ففي جميع الحالات، كان العقل العربي يلمع ويدرك ويبدع”.
واستشهد د. مدين بالفيلسوف فرنسيس بيكون وهو ينفي تعارض التفكير العلمي مع الدين قائلاً “قليل من العلم يؤدي إلى الإلحاد وكثير من العلم يؤدي إلى الإيمان”.
وأوضح أن الحكم على أخلاقية الإنسان لا يبنى على أعضائه هل تؤدي وظائفها أو لا؟ وإنما يبنى ذلك الحكم على أن يحقق الإنسان الغاية التي من أجلها صوره الله إنساناً.
وقال إن محركات المعرفة لها أركان منها حب الاستطلاع والإعلام والجامعات ومراكز البحوث.. لكن استطلاعنا وبحثنا غالباً ما ينصب في مجال التفاهات والشهوات، وإعلامنا غالباً ما يسهم في نشر الخرافة والأوهام، ومراكز بحوثنا تغلبت عليها البيروقراطية وعدم الاكتراث لما تنتجه عقول الباحثين فتوضع بحوثهم في الأدراج!
ونبه د. مدين إلى أن مولدات المعرفة تحولت في بيئتنا العربية بقدرة قادر إلى مثبطات للمعرفة. سألته: لماذا يفتقد كثير من المصريين الذوق؟ فأجاب: الزحام أحد الأسباب، وبعده غياب الأسوة والقدوة، ثم تردي الخدمات والفقر. وقال: لماذا نقلل من جريمة إفقار المجتمع المصري؟.. إنها تعيق الاستقرار المجتمعي كما تعيق التقدم العلمي؛ فالإنسان لا يستطيع أن يفكر وهو جوعان. لقد توقفنا عند الحد الأول من تعريف الإنسان ( حيوان ناطق ـ حيوان مفكر ـ حيوان يستفيد من تراكم الخبرات)، حتى هذا الحد جوعناه.. وبالله عليك.. ماذا تتوقع حين يجوع حيوان؟
وحين عرف العلماء التفكير الخلاق قالوا إنه يعني الاستفادة من التراكم الكمي للخبرات، وهذا يحتاج إلى بيئة اجتماعية حاضنة يعيش أفرادها في توافق وانسجام.
ولنفرق بين التراكم المخلوط والتراكم المركب.. نريد الثاني لأن الغرب المتقدم يعيش على الثاني بينما الشعوب المتأخرة تعيش على الأول.. كيف؟ النملة تخزن المواد الخام لكن لا تنتجها، بينما النحلة تنتج من المواد الخام عن طريق مصنعها الذاتي ما فيه شفاء للناس.. كل الناس. هذه البيئة الحاضنة.. بيئة النمل.. لو مكث فيها أحمد زويل ومصطفى السيد ولم ينتقلا إلى بيئة النحل لما أخذا جائزة نوبل في العلوم. والسبب أنهم عاشوا في جو دافع للتفكير غير مثبط، وغير مستبد، ذلك أن التثبيط والاستبداد هما سر فساد وإفساد العباد.