“مابعد الخريف” مجموعة قصصية للكاتب العراقي / عبد الكريم الساعدي

مشاهدة
أخر تحديث : الأحد 2 أغسطس 2015 - 4:55 مساءً
“مابعد الخريف” مجموعة قصصية للكاتب العراقي / عبد الكريم الساعدي

قراءة لـــ الكاتب والشاعر : ســيــد جــمــعــه

تفرز لنا عهود القهر والإستبداد علي الدوام مساحات مترامية ، وبدرجات متقاربة ولكنها متشابهة ، تنتصب فيها قامات إبداعية ، منشئة لنا اعمدة ودعائم لجداريات – في صلابتها – كأنها منحوتات ابدية سرمدية شاهدة علي وقائع حياتية ، لبشر طحنهم الذل والإستبداد ، لكن بقت خربشاتهم واضحة رغم ذل المهانة الذي لحق بهم قبل الهلاك .
هذه السطور قد تُصنف ما أنا بصدده وهوقراءة إستمتعت بها لمجموعة ” ما بعد الخريف ” للقاص العراقي القدير / عبد الكريم الساعدي ، والمجموعة إستحقت علي كل المستويات الترحيب والتقدير المشرف ، كعمل قصصي تناول فترة زمنية حددها الكاتب ما بين سنوات 84 19- 2014م اي عقود ثلاثة كان حصاد هذه العقود عمل جداري من الحروف والكلمات ممزوج بآهات وآلام بشر ممن تسطحت اشلاؤهم المبعثرة والممددة لعقود ، جمعها الكاتب واجتهد قبل إعادة رسمها علي جداره ، إجتهد ان تكون مطابقة لإصولها، فنجح .
فكان جدار ” ما بعد الخريف ” جدارا ينبغي الوثب فوقه لإستشراف ربيعا بخلاف ربيعنا العربي الذي انقض قبل ان يُقام !
المجموعة القصصية تتكون من ( 20 ) قصة فيما يقرب من 95 صفحة ، إذن ما وضح لنا من مقدمة الكاتب والفترة التي حددها نجد ان السياق يأتي كمنظومة يدعم بعضها بعضا ليتشكل في وعينا – مع القراءة – ملامح الصورة الجدارية التي يدشنها الكاتب علي جداره المسمي ” ما بعد الخريف ” ، لكن تأخذنا بقوة سرديته التي تبناها في كل قصصه العشرون ، فإذا كانت القصة تمثل تكوينا وجزءا من الجدارية ، نجد مادته تتسق بناءا وتكوينا كقوة الحدث القصصي نفسه في حوار اشخاصه وحياتهم وافكارهم وأمالهم الخ ، هو يستخدم الجملة الطويلة بلا فواصل أو وقفات ، حتي يكتمل المعني بالجملة التي تليها ، فكانما الجملة وحدة واحدة لها مساحتها الطولية المحسوبة طولا وعمقا وتأثيرا ، وما يشد أذرها من جمل سابقة أو تالية لها ، وهذه نماذج مما نقصده بالجملة الطولية المغلقة والتي تكتمل فقط بما قبلها وما بعدها من جمل :
” إستبلت الفاصلة بشرطة مائلة “
( كان آخر المتسلّلين من الدار التي تختبئ وراءها أسرارهم،/ منطلقاً من تحت رماد الغضب جذوة توقد صمت السنين/ تهزّه طقوس التحدي ليقتلع جمر الفساد وجيف العروش الجاثمة على أنفاس الحياة،/ منطلقاً من زوايا منفرجة بالأمل،/ إلّا أنّ وقع الخطوات المحمومة بالكراهية والموت،/ تسابقت لإلقاء القبض على مسيرة النقاء،/ توقفت ذاكرته،/ أحلامه لبرهة من الزمن، يصيخ السمع إلى وقع أحذية السلطة/، ظنّ أنّه لا يفلت من قبضتهم هذه المرّة،/ حثّ الخطى أملاً بالنجاة،/ تبعثرت خطواته المشحونة بالقلق والهلع مع تسارع الخطوات المختلطة بأصوات غليظة تدكّ حصن أذنيه ودعواتها لعلّها تنقذه من هول المجهول، تتصاعد وتيرة القلق، الحيرة، لم يكن أمامه خياراً سوى ملهى المدينة، كان وحيداً، مرتبكاً، متّشحاً بخوفه، وبهدوء شديد )
—-
(- وأنا لم أرَ آثار رجولتك.
استفزته بجوابها الماكر،/ تتلألأ عيناها همساً/ إغواء، يترجّل من صهوة الوجل،/ تلمسه، تكشف عن نهدين،/ يشتعل، توقظ لهيب الفتنة، تسرج أنوثتها، كلّ مناطق الجسد كمائن، تحصي أنفاسه، تهمزة، فيشرئب يبري جمره./
وبلا وعي راح يثبت لها ذكورته/ أصابعه المرتجفه تلامس وجنتيها/ تأخذه رعشة خفيفة، هي لم تمهله/ تفترس انتظاره بلهفة جنون/ تهجم بكلّ أسلحتها المدمرة لجفاف كيانه/ لم تترك حصناً إلّا واقتحمه منتصرة / حتى اضحى مرثية لتلك الليلة الأليمة،// ضحية ارتعاشة رجولته، وسطوة الزمن الذي عصف به / كان بين مدّ وجزر، عاجز عن تفسير ما جرى/ لم يبقَ من الليل إلّا أحاديث مبتورة / تساؤلات لا جواب لها. الضجيج يغادر المكان / السحالي الملوّنة تنسحب مترنّحة إلى جحورها / الذباب المنتشر يغادر موائد العهر الليلي/ إنّه فجر يوم جديد. يستيقظ على صوت النادل الغليظ، ينصب له مقصلة الحساب:
– خمسة وسبعون ديناراً. ) .
****
كلمات الجملة تتسق مع قوة الحدث ، لتفضي للمعني والتأثير المراد بنهاية اخر حرف فيها . .
و كما هو واضح قوة اللفظ والدقة في إختياره دون غيره يصنع بهما الكاتب اجواء قصصه جميعا لا معاناة ولا إسراف حتي يكتمل المشهد والقصة بستار ينزل فجأة لكننا تباركه !
القصص العشرون هي أيقونات شاهدة علي سطوة القهر والإستبداد مهما كان مسماه ومهما كانت راياته ، فما لم تتعانق وسائله مع أهدافه شرفا وشفافية فلا يخلفُ إلا خريفا له سوءاته . في كل العصور وكل المدائن .
____________
ســيــد جــمــعــه : اديب وشاعر

رابط مختصر

أضـف تـعـلـيق 0 تـعـلـيـقـات

* الإسم
* البريد الألكتروني
* حقل مطلوب

البريد الالكتروني لن يتم نشره في الموقع

شروط النشر:

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة بوابة شموس نيوز الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.